آراء

التعليم، الهجرة، المجتمع المدني وحقوق الإنسان

التربية والتعليم والبحث العلمي:
قطاع التربية والتعليم والبحث العلمي، يكتسي عند الشعوب والدول المتقدمة، أهمية كبرى في مجالات الاستثمار البشري والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ويعتبر قاطرة أساس والرياضية… لكن واقع التعليم بالريف الكبير لازال يعرف تخلفا كبيرا على كافة المستويات (تحقيق شعار التعليم للجميع، التوزيع العادل للخيارات المعرفية،إنتاج المعرفة،اعتماد اللغة الريفية، البحث العلمي، تعميم التمدرس والقضاء على الهدر المدرسي ( وإذا كان المجتمع الدولي قد أوصى بتوفير الحد الأدنى من التعليم،كشرط ضروري للإنسانية في هذا العصر بالذات فإن نسبة الامية ( خاصة البدائية منها) في كافة أقاليم الريف الكبير (باستثناء مليلية وسبتة التي تجتاز ظروفا خاصة تحت نير الاستعمار المباشر) تعد من أعلى النسب مغربيا وعالميا وتموضع الدولة المخزنية في مؤخرة الترتيب العالمي وراء الصومال وجيبوتي وقطاع غزة بفلسطين المحتلة , دليل صارخ على ذلك .

كما يعرف قطاع التعليم عزوفا صارخا لدى شريحة عريضة من المواطنين، خاصة في العالم القروي وبالأخص في صفوف الإناث وذلك نتيجة وارتباطا بنوعية التعليم وغياب بنيات الاستقبال وعقم المناهج والبرامج التعليمية والتربوية،وضعف القدرة الشرائية للمواطنين زيادة على غياب بنيات تحتية ومسالك طرقية ومؤسسات جاذية لاهتمام المواطنين (مؤسسات القرب) وفشل “المخزن” في ربط التعليم بسوق الشغل….

هذا وعكس الشعارات المرفوعة حول الإصلاح، تساهم المناهج والبرامج التربوية بدورها في عزوف المواطنين عن المدرسة العمومية ومحدودية أدوار ما يسمى بالمدارس الخصوصية، خاصة وان هذه المناهج لازالت بعيدة ( بعد السماء عن الأرض) عن الاستجابة لانتظارات العصر والحاجيات الروحية والفكرية والمعرفية واللغوية لساكنة الريف وهي أيضا تكرس التخلف الفكري والتوجهات الظلامية واحتقار ثقافة الاختلاف والمواطنة الحقة……… وتنتج قيما تؤبد المخزنة ………. واللاتسامح ….. أما بصدد البنيات الأساسية كالجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمي ورصد الكوارث الطبيعية (الزلازل والفيضانات ..) فان الريف الكبير (ورغم كل ماتم بذله من مجهودات ترقيعية)، لازال بعيدا عن تحقيق طموحات الريفيين وتلبية مطالبهم المشروعة في ضرورة مراجعة شاملة للسياسات العمومية في شأن التعليم وتحقيق مطالب الساكنة في توفير تعليم عمومي عصري مكرس لقيم وثقافة الريف، ومنفتح على قيم العصر وثقافة حقوق الإنسان، ويتيح المجال أمام الريفيين لتقاسم الخيرات والثروات المادية واللامادية للريف، والنهوض العقلاني بأعباء التنمية الشاملة للإنسان والمجال وحماية الذاكرة الجماعية للناس وكتابة تاريخ المنطقة بعيدا عن أساطير الدجل المخزني وأوهام ” النخب ” المدجنة والمفلسة.

اعتبارا للأوضاع الكارثية التي يعرفها قطاع التربية والتعليم والبحث العلمي، فإن العناصر الأساسية والتوجهات العامة التي نقترحها ضمن برنامج الأولويات المستقبلية لكل القوى والعناصر الحية بالريف الكبير، وذلك لحل معضلة التعليم … وهذه العناصر والأولويات نبسطها على شكل عناصر محورية وإستراتيجية نستعرضها بإيجاز كالتالي:

– ضرورة وملحاحية الإسراع في رسم استراتجية واضحة في علاقة التربية والتعليم بالتوجيه التربوي ومناهج التعليم والموارد البشرية والبنيات الأساسية والكتاب المدرسي …. وربط ذلك كله بنوعية التعليم المستقبلي من حيث الفعالية والجودة والرهانات ذات الصلة بالتنمية واكراهات سوق الشغل ، وبتناسق كامل مع أهداف وانتظارات الريفيين بصدد المشروع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الذي من شأنه إتاحة الخلاص من التخلف والاستعمار والمخزنة، وبما يتماشى وخلفيتنا الفكرية والديمقراطية، بغية التأسيس للمواطنة الحقيقية وإشاعة ثقافة العقل والحرية وحقوق الإنسان وإرساء تعليم ديمقراطي علماني غير منفصل عن العقل والعالم وواقعه الثقافي والديني والحضاري، وبما يواكب التحولات السريعة في العالم تكنولوجيا ومعرفها وحقوقيا.

– العمل على تأسيس بنية علمية في مختلف أقاليم الريف الكبير وربط المؤسسات القائمة بمنظومة البرنامج الاستراتيجي خاصة على مستوى التحديث والعصرنة ومحاربة التقليد وضمان الفعالية والجودة وجعل النسق التربوي والتعليمي والعلمي في خدمة أهداف وقضايا المشروع الحضاري والتنموي لعموم ساكنة الريف الكبير.

– اعتبار موروثنا الثقافي والعمراني ورموز الريف في المجالات التاريخية والفكرية والدينية بمثابة رأسمال لا مادي،ومادة ملهمة لاختياراتنا وللأجيال الصاعدة مع أولوية تضمين هذه المستويات المختلفة ضمن مقررات وبرامج وأجندة التدريس والتثقيف المجتمعيين مع الحفاظ على الذاكرة المتعددة من خلال التدريس والإبداع والترويج الثقافي والسياحي عبر العالم.

– اعتماد اللغة الريفية (الامازيغية) إلى جانب اللغة المكتسبة ( العربية)، في مختلف برامج ومستويات التعليم ودواليب الإدارة والحياة العامة، مع الانفتاح على اللغات الأساسية الأجنبية وفق الأولويات التالية: الانجليزية فالاسبانية فالهولندية فالفلامانية والفرنسية وفق مصالح ورغبات ساكنة الريف ومعطياتها التاريخية والاستراتيجية.

– العمل على توفير الموارد المالية والمادية واللوجستيكية،ووسائل تعميم العلم وإشاعة المعرفة والتثقيف الجماهيري (مسرح، سينما،موسيقى،غناء، رقص…) وتخصيص موازنات كفيلة لخدمة هذا المشروع الفكري والحضاري بالموازاة مع حفظ الذاكرة وترميم الآثار، واعتبار مساجد الريف، التي أهملها “المخزن” لصالح ثلة من الزوايا والصلحاء (خاصة من رعايا الأوفياء ) ورشا مفتوحا للترميم والإصلاح وتوفير مستلزمات أداء الأدوار الموكولة له في إشاعة الإخاء والسلم والتضامن بين الشعوب، وبنفس الإلحاح والأهمية تنطرح ضرورة تخصيص صندوق من عائدات استخلاص الدين التاريخي المترتب على الدول الاستعمارية المسؤولة عن الحرب الكيماوية ضد الريفيين وفرملة نضاله من اجل التحرر والتحديث، وتعطيل برنامج “جمهورية الريف” في مختلف الواجهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

قضية الهجرة ضمن أولوياتنا:
في تقديرنا كريفيين، فان قضية الهجرة والمهاجرين، تحظى بأهمية خاصة، ذلك أن منطقة الريف الكبير تعد من أكثر المناطق في العالم عرضة لذيول هذه الظاهرة الكونية والتي اكتست طابعا تهجيريا قسريا، يكاد يرقي الى جرائم في حق الإنسانية.

بداية من ستينيات القرن الماضي عرفت ظاهرة الهجرة تحولات طالت عدة جوانب يتكامل فيها السياسي بالفكري وبحقوق الإنسان، وبالأخص الهجرة الخارجية إلى بلدان الشتات دون إغفال أهمية الاحتكاك الثقافي ودوره البالغ في إذكاء حساسية الوعي مبكرا بقيمة التحديث والعصرنة واكتساب ناصية العلم والتقنية والاطلاع على تجارب الشعوب مع التأكيد – بادئ ذي بدي- على ما تطرحه ظاهرة الهجرة من إشكالات من شاكلة تفكيك البنى الاجتماعية والنفسية وإعادة تشكيل بنيات مغايرة في بلدان الاستقبال وما يترتب عن نتائج ذلك سوسيولوجيا وإنسانيا اجتماعيا…

مما لا شك فيه أن ظاهرة الهجرة إلى الخارج، قد انطلقت بالريف ابتداءا من سنة 1880 وتحديدا في اتجاه غرب الجزائر حيث عمد المعمرون الفرنسيون إلى استغلال وفاء وجدية ومهارات الريفيين، لتتوقف هذه الحركية الهجروية نحو الجزائر مباشرة بعد الاستقلال سنة 1963، وتعزى أسباب الهجرة المتواترة إلى الجزائر في تلك المرحلة إلى عدة عوامل طبيعية وسياسية منها الجفاف وانعدام شروط العيش وغياب الدولة بمفهومها الحقيقي إضافة إلى الضغط المخزني الرهيب من خلال إثقال كاهل المواطنين بالضرائب والجبايات المجهولة من طرف رجال “المخزن” (محالة) إلى المركز وحرمان الريف من أي استفادة تذكر من مداخيل الجبايات المفروضة بقوة السلاح.

هذا وقد شكل عامل البطالة والجفاف خلال سنوات الستينيات من القرن الماضي ثقلا إضافيا، عزز من صعوبة الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن الهجوم المخزني على الريف لاخماد الانتفاضة المجيدة سنتي 1958-1959.

وانطلاقا من سنة 1963 شهدت ظاهرة الهجرة إلى الخارج، تغييرا في الوجهة والمسار، اذ شرع الريفيون في التوجه نحو أوربا الغربية حيث ستتميز ظاهرة الهجرة بتعقيدات اجتماعية وثقافية ونفسية عديدة ومغايرة، فيما ستتميز مرحلة أواخر الثمانينات وبداية تسعينيات القرن الماضي بميلاد ظاهرة التجمع العائلي،كما ستمتد ظاهرة الهجرة نحو الدول الامريكية والخليج ناهيك عن ليبيا،في حين ستتميز حقبة التسعينيات ببروز إشكالية الهجرة السرية وفقدان دفعات كاملة من المهاجرين الريفيين في البحر الأبيض المتوسط ( مراكب الموت) .. لتكون خاتمة الكارثة هي تحول غابات ووديان الريف الكبير (من السعيدية والى المحيط الأطلسي) الى منطقة استقبال مؤقت للعبور نحو الضفة الشمالية للمتوسط، مما أضفى على الوضعية الحقوقية والإنسانية بالمنطقة، مزيدا من القتامة والسواد، جراء ما يتعرض له مهاجروا دول الصحراء والساحل من انتهاكات وتعسفات..

انطلاقا من دراسات ميدانية وتقارير حقوقية ومعطيات لا يرقى إليها الشك نسجل إلى جانب عديد الباحثين والمهتمين بقضية الهجرة الريفية،توظيف المخزن لعائدات المنطقة بما يخدم مصالح المركز واستدامة الهيمنة والتسلط وكذا التخلص من الريفيين عبر التهجير. إذ بالرغم من إقدام “المخزن” على بعض المبادرات والتشريعات من قبيل قانون رقم 03-02-2003 والمهتم أساسا بالهجرة السرية من منطلق مقاربة تدعي الشمولية بغية محاربة ظاهرة الهجرة السرية .

حيث توخت المبادرة الجمع بين الأوجه القانونية والمؤسساتية والأمنية والسوسيو اقتصادية والتواصلية . وبالرغم من التعاون والتنسيق العالي مع الدولة الاسبانية سنة 2004 في ما يتصل بمراقبة المضيق. وتعيين “ضباط ارتباط” مغاربة بمدريد وجزر الكناري والجزيرة الخضراء.. وبالرغم كذلك من كل السياسات المخزنية الموسومة بالإقصاء والحكرة والمراقبة الأمنية اللصيقة للمهاجرين ( الوداديات خلال السبعينات، وما شاكل ذلك الآن)،فان تقييمنا (ومن موقع المتابعة والمعرفة والمسؤولية) لمجمل هذه السياسات نجزم بدقة الصورة والمعطيات التالية:

*مواصلة نهج التحكم في مستقبل المهاجرين وعائداتهم المالية، وكفاءاتهم الفكرية، واستمرار منطق احتواء مطالب الريفيين،وعموم الديمقراطيين بالمغرب في إطار المؤسسة المخزنية التي أسست للتحكم في مصير وقرارات المهاجرين: ” المجلس الأعلى للمهاجرين”، شأنها شأن بقية المؤسسات الاستشارية المكلفة بوظائف استدامة المخزنة والمناورة في محاولة إخفاء حقائق الأوضاع ومن ثم فان رفض الريفيين التعامل مع مؤسسات مخزنية ولا ديمقراطية ولا ملة لها بالريف ومطالبه وهواجسه بات أمرا مشروعا، خاصة لجهة المحاذير والاعتبارات التالية:

* ميدان تأطير الهجرة ومقتضيات ذلك من التشريعات والإمكانيات.. ينبغي أن يكون مجالا محفوظا للمهاجرين ومنظماتهم المستقلة عن أي ارتباط “بالمخزن”،ووحدها إرادة المهاجرين الحرة من لها صلاحية التدبير والتقرير وإبداع ممكنات التواصل ما بين “الدياسبورا” وبلدها الأصلي بالمغرب .

* عائدات وتحويلات المهاجرين من الريف الكبير، تستوجب نوعا من الحفظ والوقف بما يخدم مصالح ذوي المهاجرين بالريف الكبير، وعليه وجب اعتبار إفراغ عائدات الهجرة في المتروبول المركزي جريمة نكراء وخط احمر خاصة قياسا إلى حجم الخصاص المادي والمعنوي بالريف الكبير، وتخصيص عائدات الريف لخدمة “جهات أخرى” لأسباب لا علاقة لها بمنطق التضامن البينجهوي ولا بثقافة “البر والإحسان” ولا حتى بما يسمى بالمصلحة العليا للوطن. لكل ذلك يتعين على الريفيين الأحرار تحرير عائداتهم من كماشة ” المخزنة” وإنشاء مصارف ومؤسسات مالية ومراكز للاستثمار، من شأنها قانونا احتضان أرصدة المهاجرين وعائداتهم وتبادلاتهم المالية، بما يخدم مصالح الريف الكبير.

* دعوة كافة مكونات الريف الكبير الفكرية والسياسية والجمعوية، في الداخل والخارج لتشكيل حركة ريفية عريضة تضم القوى الحية في الداخل والخارج ، من أجل تنسيق المبادرات وتفعيل النضالات والدفاع عن مصالح الريف والوطن، وفق ضوابط شفافة وديمقراطية .. وإعادة النظر في التعاطي مع “المخزن” وأذنا به في الداخل والخارج، وكذا تحديد سياسة التموقع في منظمات وجمعيات الدفاع عن حقوق المهاجرين ، بما يتناسب والمعطيات الكمية والكيفية للريفيين، وبما يتوافق ومشروعنا المجيد: “ريف الغد” حيث لم يعد المجال يسمح بعد اليوم بخدمة أهداف الآخرين أو الاقتناع بالأدوار الهامشية، كما حصل مرارا مع الأسف الشديد.

الثقافة والمجتمع المدني:
من انشغالاتنا الكبرى في الريف الكبير ثالوث الثقافة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني.. إذ نعتبر الاحتكار “المخزني” لمصادر التشريع والتقرير والتدبير في مثل هذه المجالات الحساسة اضطر تحديات تستوجب التغيير العاجل، إذ أن التمييز والتفرد المركزي القاتل ، يعتبر إعداما مطلقا لكل تنوع ثقافي او لسني أو هوياتي، ولكل قيام حقيقي لمجتمع مدني فاعل ومسؤول ومستقل عن المخزن والخارج سواء بسواء.. وهو ما يتناقض جوهريا مع الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1965، في حين أن “المخزن” ، لم يعتمد هذه الاتفاقية – ولو شكليا- إلا في 18-12-1970، وان واصل بعد التصديق سياسة الالتفاف على المقتضيات والحقوق الأساسية المتضمنة غي الاتفاقية المذكورة، وممارسة أقصى أشكال التمييز ضد الريف الكبير وسواه من الجهات التاريخية بالمغرب.

انطلاقا من ذلك يمكن الإقرار مع عديد المواقف والمعطيات الصادرة عن هيئات الريف الحقوقية والثقافية واللغوية..بأن لا وجود لسياسات عمومية في مجالات الثقافة والإعلام والمجتمع المدني والقطاعات ذات الصلة..بل ثمة مجرد تدابير سلطانية تقتصر في تحديد أولوياتها على المهرجانات وأنشطة المسخ الثقافي، وإقامة بعض البنيات الإدارية وتمويل برامج إنجاح “الترويج الجاهلي” لثقافة القرون الوسطى، وتصيد مواسم ومناسبات ذات نكهة “منفتحة” شكليا على الغرب والثقافات الأجنبية.!!

إن اهتمام “المخزن” بالثقافة الأجنبية، ما هو إلا شكل اخر لسياسة تأبيد الاستعمار وتكريس نفوذ أجنبي للوصاية على مقدرات ومصير الوطن ! ومحاولة يائسة للركوب على الجاهز، واستغلال ما تقدمه المراكز الثقافية الأجنبية من إبداعات ومنتوجات في كافة المناجي الفكرية والفنية والتقنية.. للاستهلاك الداخلي ومسخ الذوق الوطني وقتل الممانعة الثقافية والحضارية لدى المواطنين.

واقعيا وميدانيا يتأكد اندثار وتلاشي عشرات المؤسسات الثقافية والمسارح ودور السينما والشباب.. بما فيها مخلفات الاستعمار الاسباني (الناظور الحسيمة الشاون تطوان طنجة….) !! إن هذا الريف الكبير لعب دورا هاما في التأسيس وبناء صرح الحضارة الإنسانية والثقافة المتوسطية… والذي شكل على مر العصور،واجهة مشهود لها بالتفتح والانفتاح على العالم، ودرعا واقيا من الأخطار الخارجية، ومعقلا للمقاومة الشعبية البطولية ضد الاحتلال.. وبالرغم من اختزانه لرصيد هام من الآثار والرموز والرساميل اللامادية والمراجع الثقافية الزاخرة بدلالات التعدد الثقافي والعمق الحضاري.. والتي من شأنها اغناء وخدمة الثقافة والسياحة العالمية، وصد زحف الجاهليات المنفلقة من عقال التسلط والاستبداد،وكل مظاهر العنف والإرهاب.. بالرغم من كل المؤهلات والمعطيات تلك فإن الريف الكبير لازال بحاجة إلى مدخلات سياسية وثقافية جذرية من قبيل:

– الدفع بصياغة أسس نظام سياسي مستوعب لمضامين وأبعاد الحداثة الفكرية والسياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث ينتفي الميز العنصري والإقصاء الثقافي لأسباب قبيلة أو اثنية أو لغوية، وغيرها..

– الإصرار على تأسيس البنيات الأساسية للإقلاع الثقافي والفني والتواصلي، وفق مقاربة شمولية تراعي الخلفية التاريخية للريف الكبير، وتستوعب الاختلاف والتعدد والانفتاح على الآخر باعتباره مصدر غنى وإثراء لا محيد عنه في المجتمعات المعاصرة.

– المناهضة المنهجية للوصاية المخزنية على منظمات المجتمع المدني، واجتثاث مسالك “المخزن” نحو ممارسته التحكم في الجمعيات، وتشويه الشرفاء، وزرع الشقاق في صفوف الحركات الاجتماعية، وإجهاض مساراتها النضالية ( وفق نمط من السلوك بات مكشوفا لكل ذي عينين مع ضرورة النضال لرفع الوصاية السياسية والحزبية عن مؤسسات المجتمع المدني، وذلك عبر عزل الامتدادات المخزنية والحزبية في هذه الحركات ومن خلال ممارسة أرقى أشكال الاستقلالية الفكرية والتنظيمية والمالية عن مراكز القرار الدولية الأجنبية، وعلى رأس المهام المستعجلة في هذا الباب مهمة عزل ” الأشباح النخبوية” من صنائع المخزن، رغم تغني بعضها بخطابات التطرف اليساري واليميني سواء بسواء.

– التدخل العاجل من اجل حماية التراث الريفي والذاكرة الجمعية لعموم الريفيين سواء تعلق الأمر بالتراث المادي كالمحميات والغابات والأحواض المائية (مجموعة النكور لوكوس لاو……) أو تعلق الأمر بالرأسمال اللامادي والتراث الرمزي كالرموز التاريخية والكنوز الاركيولوجية والأرشيفين المدني والعسكري لدى دول الاحتلال ومراكز الاستعمار المباشر وغير المباشر.

منظورنا حول حقوق الإنسان:
يتأسس منظورنا الشخصي في مجال حقوق الإنسان، وهو تصور هيكلته عدة تجارب ميدانية ودراسات منهجية وتكوينات مختلفة ناهيك عن ممارسات ملموسة ولعدة عقود .. حيث بات الريف الكبير قدوة مشهود لها من حيث الأطر والمناضلين وفي مقدمتهم محمد بن عبد الكريم الخطابي المشهور بتقريره التاريخي حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حدثت بالمغرب بداية الاستقلال الشكلي وإبان انتفاضة الريف الأولى سنتي 1958-1959 ولاحقا تميز الريف الكبير بإصدار عدة إعلانات ودراسات تهم قضايا مختلفة خاصة موضوعة الريف وحقوق الإنسان..
فيما يتأسس تصورنا في مجال حقوق الإنسان أيضا على مقتضيات المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 وبالأخص ما يتعلق بموضوع: ” حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة” وكل الفصول ذات الصلة بالانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الريف الكبير عبر تاريخ طويل من المكابدة والجرائم خاصة على يد “المخزن”.

لذلك فإننا نعتبر أن المجازر والانتهاكات التي تعرض لها الريف من مؤامرة إجهاض حلم الريفيين بتأسيس نمط من الجمهورية كاختيار يروم التحديث والعصرنة الى غاية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي بوبناها بالنقطة والفاصلة في عدة دراسات وتقارير من قبيل “إعلان الحسيمة “، و”إعلان الريف” وضمن هذه التقارير نشير الى العدوان الاستعماري (التحالف الدولي) ضد السلطة السياسية للريفيين واستعمال أسلحة الدمار الشامل ضد المواطنين والمقاتلين، وتدمير المجال البيئي للريف وتعريض الصحة العامة لأبنائه لشتى المخاطر والقطاعات.

وفي هذا السياق تندرج أيضا جريمة الطرد التعسفي لعشرات ألوف الريفيين من الجزائر سنة 1975 وذلك انتقاما لحساباتهم الخاصة مع “المخزن” في حين نعتبر بأن الجرائم التي ارتكبها النظام المخزني في الريف من اغتيالات واختطافات أواسط خمسينيات القرن الماضي (عباس المسعدي، حدو اقشيش..) ومن حرب عدوانية ضد مواطنين عزل سنتي 1958/1959، وكذا انتفاضة الريف الثانية سنة 1984 وعشرات المحطات، والى غاية انتفاضة 20 فبراير سنة 2011.. حيث فقد الريف خلال ذلك عشرات الآلاف من شهداء ومعطوبين ومعتقلين .. وفق اللوائح المثبتة لدى حقوقيي الريف الكبير. كل ذلك حدث انتقاما لما تنادى به الريفيون من ضرورة التمتع بحرية التعبير والمطالبة بحقوقهم الطبيعية والإنسانية والمشروعة، وفي مقدمتها الحق في مشاركتهم في بناء وطن ديمقراطي حر،تسود فيه قيم الكرامة والحرية وتنتفي فيه مظاهر العبودية والتخلف والمخزنة.

وان مناضلي الريف الكبير اذ يولون ملف حقوق الإنسان ما يستحق من أهمية بالغة، ويضعون امكانيا تهم الفكرية والبشرية والمادية رهن إشارة انجاز حلقاته المترابطة وأهدافه السامية، وإذ نضع نصب أعيننا – تاكتيكيا واستراتيجيا- مساءلة ومحاكمة “المجرمين الدوليين” على مجازر لاشك أنما ترقى الى جرائم ضد الإنسانية، وهي من اختصاص المحكمة الجنائية،الدولية، وإذ نعمل على تنسيق جهودنا مع الفعاليات ذات الصلة بحقوق الإنسان ، من اجل إنصاف الضحايا ورد الاعتبار وجبر الأضرار الفردية والجماعية وبدون سقوف وتواريخ نهائية إلا سقف الحقيقة والعدل والإنصاف .. وذلك وفق منظور شامل يتجاوز صفقة “الإنصاف والمصالحة” المخزنية، والتي تأكدت مع الأيام نواياها التناورية وأهدافها المخزنية.. حيث تم تحويل المقاربة إلى مجرد صفقة سياسية بين “المخزن” وبعض رعاياه من النخب المركزية والمتواطئين معها من “شذاذ الآفاق” بالريف الكبير، وهي نخب يصدق في حقها قول رئيس جمهورية الريف وهو يتحدث عن خونة الأمس : « مساكين هؤلاء الذين يبيعون تاريخهم وشرفهم وآخرتهم بكرسي يترنح تحت أقدامهم ».

إن عزم مناضلي الريف ومن مواقع مختلفة على الانخراط في الحملة الدولية من اجل تطوير مكتسبات النضال من اجل مصالح وحقائق الريف، وهم مدعوون إلى الانخراط بقوة في الحملة الدولية من اجل تطوير إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان،والمشاركة بالفعالية اللازمة في شبكة اتصالات جهوية ودولية للتدخل السريع وبشكل فعال للدفاع ومتابعة الانتهاكات والمضايقات التي تطال نشطاء حقوق الإنسان في الريف الكبير،وفي كل مكان ..

كما أن ملحاحية خلق وتعزيز شبكات الريف المهتمة بموضوع حقوق الإنسان، في كافة أبعادها الهوياتية والثقافية والسياسية والاقتصادية.. خاصة على المستوى المحلي، باتت تتطلب تدخلا عاجلا من قبل المعنيين بالأمر.

هذا وفي إطار انشغالاتنا الكبرى بالقضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان.. نولي أهمية خاصة لأوضاع مهاجري الريف الكبير،وفي جميع مواقع تواجدهم عبر العالم، خاصة وان جلهم يتعرض لشتى صفوف الاستغلال والميز العنصري والحرمان من الحقوق كبقية مواطني بلدان الإقامة، ناهيك عن حرمانهم داخل وطنهم الأصلي، من ابسط حقوق المواطنة (التمثيلية والمشاركة السياسية ).. لذلك يتعين العمل إلى جانب كل الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية والمستقلة عن “لمخزن” وامتداداته الخارجية.. من اجل الدفاع عن مصالح المهاجرين وحقوقهم الأساسية (هنا وهناك) وذلك طبقا لمقتضيات الاتفاقيات الوطنية والدولية خاصة منها ” الاتفاقية الدولية حول حماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم” الصادرة سنة 1990، وباقي المواثيق الدولية، الضامنة لحقوق المهاجرين في مجالات حماية الهوية والخلفية الثقافية والحضارية والدينية والمساواة بين بني البشر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى