آراء

سؤال حارق: هل ماتت “الصحافة” ؟!

ما كنت أتخيل يوما أنه بإمكاني التخلي عن عادة قراءة الجرائد المختلفة ..

بل كان الأمر محسوما لصالح قراءة جل الجرائد والمجلات الوطنية والعالمية ..

أجل كان هذا الواجب اليومي يكلفنا شبه ميزانية كاملة ، فإضافة الى صحافة المعارضة (المسار / أنوال / الاتحاد الإشتراكي / البيان …) كانت جرائد اليمين والرصيف حاضرة بدورها (ولو على سبيل الرغبة في استكمال الصورة حول ماجريات “الحقل الوطني”) .

أما جريدة “العلم” فكانت هي الثابت الحاضر في جميع الظروف والأحوال السياسية بالبلد . .
يومذاك كانت الصحافة الوطنية تصدر ملحقات شيقة عن الجانب الثقافي ، مما شرعن اقتناءها بغض النظر عن الجانب السياسي والخط التحريري ..

حقا كانت الجريدة بالنسبة لي أولى من الخبز أحيانا ! وحتى مقامي داخل السجون ومخافر البوليس كان مطبوعا بجزئيات وأحداث لها علاقة بالموضوع .. إذ لن انسى أبدا حجم التناور الذي بذلته مجموعتنا داخل مخفر الشرطة بالناضور سنة 1987..
إذ بعد توقف التعذيب نسبيا ، وبعد التحاقنا بالزنزانة الجماعية ، لاحظنا أن أحد أفراد الشرطة ، ممن يتناوبون على حراستنا بالنهار ، كان مولعا بالكلمات المتقاطعة ، ومن ثم اقتناءه يوميا لجريدة “الإتحاد الإشتراكي” (وهي الجريدة المشهورة ٱنذاك بكلماتها المنقاطعة ، للصحافي أبو سلمى الغني على التعريف) ..

فكان أن تسللنا من جزئية حاجة الشرطي المذكور لبعض المساعدة كي يملأ شبكة الكلمات المتقاطعة هذه ..
في البداية راح الشرطي يستفسر عن بعض الكلمات من وراء شباك الباب . بعده راح يسلم لنا صفحة الجريدة التي تتضمن شبكة الكلمات المتقاطعة ! فنعمل على ملئ الفراغات وتصحيح الأخطاء .. الى أن بلغ الأمر بالرحل الطيب مستوى تسليمنا الجريدة كاملة !

لتتأكد لاحقا بأن الشرطي الخلوق كان أكبر من مجرد هاو للكلمات المتقاطعة !! فكان الأمر بالنسبة لنا أشبه بالمعجزة !
كذلك أتذكر (والصورة رفقته) أن أول ما تساءلت عنه بعد حشري بزنزانة العزلة سنة 1992 ، لم يكن هو السؤال عن الفراش ؟ أو الطعام ؟ بل السؤال عن الجرائد ، خاصة الوطنية منها ..

وهو السؤال الذي استجاب له رفاقنا في مجموعة26 التقدمية ، بحيث راحوا يزودونني يوميا بمختلف الجرائد والمجلات الوطنية والعالمية ..

إضافة طبعا الى تزويدي بمختلف ضروريات مواجهة ظروف السجن والعزلة والإنقطاع عن الحسيمة والعالم الخارجي .
تذكرت هذه الأشياء ، حين لمحت اليوم مواطنا يمسح زجاج سيارته بأحدى الجرائد التليدة !!! والتي كان الشارع السياسي بالمغرب في ثمانينات القرن الماضي ، يترقب نزولها الى السوق ، كما يترقب هلال العيد ..

والأدهى من ذلك ، أنني تخلصت شخصيا من عادة اقتناء الجرائد ! بل لربما هي من أقنعني – والحالة هذه – بعبثية المسألة ؟!

ولا أريد أن أردد مع السوق تلك التوصيفات القدحية الجارحة ، الجاري بها القذف في حق صحافة ، كان لها شأن ، على الأقل احتراما “لذاكرتنا المشتركة” !؟ / وتلك هي المسألة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى