آخر الأخبارريف الأمس

هكذا أصبحت الحسيمة اليوم بدون فضاءات للترفيه عكس أمسها

إعداد: أمين خطابي

لا يخفى على أحد من ساكنة مدينة الحسيمة، الواقع “المرير” الذي يعيشونه يوميا فيما يتعلق بالترفيه والترويح عن النفس خارج المنزل، وذلك راجع إلى افتقار المدينة التي لقبت بـ “جوهرة البحر الأبيض المتوسط”، إلى مرافق وفضاءات للترفيه التي تتيح للمرء أخذ نفس آخر بعيد عن روتين العمل والحياة الأسرية داخل المنزل، وهو الواقع الذي أضحت تعيشه المدينة الصغيرة والكبيرة من حيث التاريخ، الذي يختلف تماما عن حالها في وقت سابق لم يمر عنه بضعة عقود تعد على أنامل اليد الواحدة..

كيف كانت الحسيمة سابقا؟ وكيف أصبحت على حالها الراهن؟ وأين يقضي ساكنة “فييا سانخورخو” كما سماها المستعمر الإسباني أوقاتهم حاليا؟.. هي أسئلة ربما طرحناها بدورنا خلال إنجازنا لهذا الروبورطاج، على من عاش في الحسيمة قبل ما يزيد عن 40 عاما، وهكذا كان جوابهم في حديثهم لنا، ابقوا معنا..

– اندثار ثقافة السينما مع اقتراف “جريمة” هدم سينما الريف:

شتان بين حسيمة اليوم والأمس، يقول مصطفى وهو من ساكنة المدينة في الستينيات من عمره، وهو يتذكر أجواء وحال المدينة أيام الستينات والسبعينات في حديثه لـ “ريف توداي” عن الفرق بين حال المدينة اليوم و الأمس، متحدثا بنوع من التحسر عن عدد من المرافق والفضاءات التي كانت بالمدينة، التي بدأ يتذكر أجواء كل واحدة منها عن الأخرى، والتي أغلبها كان قد شيدها الإسبان إبان استعمارهم للمدينة، ومن بين أبرز هذه المعالم الخالدة في ذاكرة ساكنة المدينة، “سينما الريف” وهي قاعة سينمائية من نوع خاص ذات بناية معمارية شاهقة ومتميزة بفسيفسائها الفني الخارجي وديكورها الداخلي، وكانت هذه السينما حسب مصطفى، تستقبل شباب المدينة كما العديد من الأسر التي كانت قد اعتادت على مراودة هذه السينما في جو عائلي، حيث كانت قاعة السينما تتوفر على غرف خاصة لمثل هذه الفئات تتابع منها وقائع الأفلام المعروضة في جو خاص ومحترم، وحيث كانت ثقافة السينما سائدة وبكثرة وسط ساكنة المدينة، إضافة إلى السهرات الموسيقية التي كانت تحيى بالقاعة السينمائية على منصتها ذات الشكل “الأوبيري”، وهو الحال الذي لم يعد له أثر منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، واندثرت معه ثقافة السينما بشكل نهائي إلى يومنا هذا، التي كانت تساهم بشكل كبير في امتصاص الفراغ الكبير الذي يسود حاليا في أوساط شباب وأسر المدينة بشكل أو بآخر، هذا بالإضافة إلى بعض الأنشطة الاقتصادية البسيطة التي كان يزاولها بعض من معيلي الأسر وشباب المدينة داخل و في محيط السينما، التي كانت توفر لهم مصروفهم اليومي على الأقل.

ويعتبر العديد من ساكنة الحسيمة حاليا، هدم سينما الريف بمثابة جريمة في حق معلمة تاريخية تحمل إرثا ثقافيا مهما، ساهم فيها (الجريمة) كل من المجلس البلدي الذي كان يسير الشأن المحلي انذاك، الذي فوت بنايتها إلى المنعشين العقاريين الذين لا يهمهم إلا الربح المادي، إلى جانب الجهات الوصية على المجال الثقافي بالمدينة التي لم تحرك ساكنا في هذا الباب، لوقف جرافات هدم العمران والثقافة والتاريخ الذي كانت تحمله هذه المعلمة.

وقد بقيت مدينة الحسيمة والإقليم ككل بدون قاعة للسينما منذ ذاك الحين، باستثناء فترة قصيرة جاءت بعد هدم سينما “الريف” بعد افتتاح قاعة سنيمائية بالقرب من الملعب البلدي، والتي لا تحمل من السينما إلا الإسم وذلك راجع إلى تدني جودة تجهيزاتها وبنايتها القديمة والمتهالكة، إضافة نوعية الأفلام التي كانت تعرض بها (الأفلام الهندية)، والتي كان يرتادها فئة “خاصة” من الشباب، قبل أن يتم هدمها هي الأخرى لإسباب غير معروفة.

– حديقة الكنيسة التي أفل نجمها:

تختزل بعض الصور القديمة والنادرة للحديقة التي أطلق عليها حاليا اسم “3 مارس” والمعروفة لدى ساكنة مدينة الحسيمة باسم “باركي نتشيتا”، وذلك راجع إلى احتضان جانب منها في وقت سابق، لحديقة للحيوانات تضم مجموعة من القردة يحتفظ ساكنة الحسيمة بذكريات خاصة لها، حيث وصلت درجة التواصل والملاعبة آنذاك، إلى إطلاق أسماء عليها كـالقرد “سعيد” وهو قرد معروف حينها ولايزال يتذكر العديد لحظات طريفة ممن عايشهم خلال تلك الفترة كان ذلك قبل حوالي الـ20 سنة، هذا إلى جانب البطات والحمام وأنواع أخرى من الطيور، التي كانت العديد من الأسر تصطحب معها الأطفال لزيارتها، للإستمتاع برؤية هذه الحيوانات وملاعبتها عن قرب، وخاصة القرد “سعيد” الذي كان محبوبا لدى الجميع الصغير منهم والكبير، حيث دأبوا على شراء بعض المقشرات والفواكه وغيرها من المأكولات التي كان “سعيد” لا يفرق فيما بينها أثناء ازدرادها.

حديقة “باركي نتشيتا” أو « Parque de Iglisia » كما أطلق عليه المستعمر الإسباني للمدينة لأول مرة وذلك بسبب إطلالة إحدى الكنائس عليها، كانت تحتضن (الحديقة) وسطها منصة خاصة بتقديم العروض الفنية، الموسيقية منها والمسرحية وما إلى ذلك من باقي الفنون التي يمكن لها أن تصنع الفرجة لرواد الحديقة، التي كانت تحييها عدد من الفرق الفنية المحلية والأجنبية، والتي كانت تخلق جوا خاصا تلجأ إليه مختلف شرائح المجتمع، كمتنفس لهم لكسر روتين الحياة اليومية، بسحر الفنون بمختلف أنواعها. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الحديقة احتضنت ظهور إحدى أبرز الفرق الموسيقية بالحسيمة تدعى Berbere Experiance، والتي كانت تحيي حفلات على المنصة التي تتوسط الحديقة. كما عرفت ذات الحديقة خصوصا خلال سنوات الثمانينيات باحتضانها لحركة سياسية يسارية أطلق على المنتسبين إليها لقب: Les Parcsistes.

كل هذا يعتبر من مخلفات المستعمر الإسباني لجوهرة البحر الأبيض المتوسط، وقد استمرت هذه الأنشطة والأجواء التي كانت تصنعها حتى فترة تمتد لعشرين عاما بعد الإستقلال، قبل أن تذهب أدراج الرياح تدريجيا مع تعاقب سياسات إعادة تأهيل المدينة، مع كل مجلس منتخب للمدينة والمصالح الأخرى المتدخلة، حتى أضحت الحديقة كما المدينة، مجردة من كل ما ذكرناه من أنشطة فنية وفضاءات ترفيهية، فاقدة كل رمزيتها ورونقتها الخاصة.

يأتي هذا في الوقت الذي تنعدم فيه فضاءات بديلة للترفيه ليلا بمدينة الحسيمة، عدا حانتين بميناء المدينة و أخرى وسط المدينة، التي يتوافد عليها زوار ليس لديهم حاجزا الدين والمال، عكس الفئة التي تحدثنا عنها تختار المقاهي كملجأ لها ليل نهار، فيما النساء والفتيات يرغمن على التجول بالشوارع والتبضع من المتاجر، في سناريو متكرر بشكل شبه يومي، في الوقت الذي لم تسطر فيه المجالس المنتخبة المتعاقبة والمصالح الأخرى المعنية بالنهوض بالشأن الثقافي والترفهي، برامج مشاريع يمكن أن تخرج ساكنة مدينة الحسيمة من “جحيم” الروتين” الذي يعيشونه يوما تلو الأخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى